المشاركات

عن الطقس.. إلى حدٍّ ما! | سجى حمدان

صورة
  لم أؤمن كثيرًا بكتابات الأدباء المتعلقة بالطقس، أظنها حيلة من لا يملك موضوعًا، أو من يريد تعبئة فراغ المشهد، لكن أستغرب أني اليوم قررت أن أكتب عن الطقس بشكل خاص، إذ إنّي أراه فعلًا شيئًا يستحق أن يُكتب له، وعليه، أظن أن معظمنا يحب هذا الطقس المختلط، لأنه يشبهنا إلى حد كبير: التقلبات العنيفة، الجمع بين المتضادات، والعشق المتجذر فينا للمنتصف، أو لنكن أكثر دقة: للرمادية وعدم وضوح ملامح المشهد. يؤسفني أن أكتب هذا، لكنها الحقيقة التي باتت واضحة بالنسبة لي، بالنسبة لعدم حبي للشمس، بالنسبة لميولي للغيم والأمطار، والجو المظلم في أغلب الأحيان، فنحنُ نميل لما يشبهنا. اليوم أمطرت عدة مرات، وأشمست عدة مرات أيضًا، فالصيف والشتاء في معركة وجود، معركة شبيهة بتلك التي تدور في صدورنا عند اختيار أحبِّ أشيائنا، وعند تفضيل شيء على شيء، لكن الطقس يخبرنا الجواب سريعًا، ويختصر الطريق الذي لا زلنا نحاول أن نطيله: أن في النهاية هنالك منتصر وحيد، سيدوم لفترة، وربما يزول بعد فترة، لكن ديمومة الأشياء مستحيلة، والجمع بينها أيضًا شبه مستحيل، ستظل تحاربُ إلى أجل، ثم سترسى سفنُك على اختيار واحد، لأن النفس لا تطيق ا

عدوان 2023

 في عبثيةٍ غريبةٍ من نوعها، بدأ القصف على غزة وانتهى، دون أن يعلم أحدٌ لِم بدأ من الاساس، ولِمَ انتهى. وبنفس العبثية رحل العشرات متوسدين دمائهم تحت الأنقاض، وبنفس العبثية بقي دم الأطفال فوق دفاتر تلوينهم، وسقطت دموع الكبار الواجمين، الذين تصرخ من حولهم أصوات من قبيل: "يجب أن تكونوا أقوياء"، "يجب للحياة أن تستمر"، "يجب أن نبني ما هُدم". هم لا يعرفون سوى لغة ال "يجب"، و"ينبغي"، متناسين الأب الذي لا زال يحدق في صورة ابنه، ولسان حاله يردد ما سبقه درويش في قوله: "كيف تبدلت الأدوار يا بنيّ؟ وصرتَ أمامي؟ أنا أولًا أولًا!"، ولا يدكون الشيخ ذو العقود الثمانية الذي أمضى نصفها تمامًا يدّخرُ القرشَ فوق القرش، حتى تحتضنه وأحفاده أربعه جدران وسقف، فتدُكّ الطائرات ما ما تم بناؤه في عشرات السنين خلال "ثوان". أعتقد أن من حقّنا جميعًا أو من الواجب -لست أدري أيهما الأنسب في هذا المقام- أن نظهر بعض الاحترام للحزن الذي يأكلُ شيئًا منا بعد كلّ حدث، أنا أنتمي للشهداء، وابنائهم، وزوجاتهم، وأمهاتهم، وأنتمي للأسرى، وأحبائهم، وأنتمي للأطفال ال

زينة رمضان تَرف يكادّ يُلامس بيوت الفقراء!

صورة
  سجى حمدان| موقع آخر قصة: حبست مها احمد (34 عامًا) دموعها وأطفالها يطالبونها بوضع الزينة الرمضانية للبيت، فيما هي تحاول استغلال كل "قرش" حسب تعبيرها لشراء دوائها المزمن الذي تتلقاه على إثرِ إصابتها بالسرطان واستئصالها لورمٍ خبيث في جسدها. وعلى ما يبدو أن "حبل الإضاءة الرفيع" الذي عاد به ابنها "أحمد" من الروضة قائلًا بصوته الهامس: "كل عام وأنتِ بخير ماما"، قد كان الزينة الوحيدة التي دخلت غرفة هذه العائلة الواقعة على السطح. وتعيش مها وأسرتها في غرفة تُقدّر مساحتها بـ 15 متر مربع فوق أهل زوجها؛ لتكون هي المطبخ، وغرفة المعيشة، والحمام في آن. تقول، "أنا وزوجي حملة شهادات جامعية، وكلانا لا نجد عملًا، حتى أنّ الأيام أنستنا مَن نكون، وما هي طموحاتنا". وتتحدث الأم الثلاثينية بصوتها المبحوح الذي يختفي تارة ويعود تارة حزنًا، وهي التي أصبح سقف أحلامها أن توفّر حاجات أبنائها الأربعة الأساسية، ولا زالت تتساءل: "أكلُّ هذا ضريبة أن يعيش المرء في غزة تحت الحصار؟". وعندما طلبت ابنتها "ربا" أن تُعلِّق الزينة الرمضانية، وضعت والديها في

"أم نسيم"..عن الريفية التي حوّلت أرضها إلى مزار سياحي!

صورة
سجى حمدان| موقع آخر قصة: كان أحد أيام كانون المشمسة، حين انطلقت السيارة على طريق صلاح الدين الرئيسي الواصل محافظات قطاع غزة الخمس ببضعها، متجهة إلى بلدة بني سهيلا شرق محافظة خانيونس جنوب القطاع، حيث تأخذ البلدة قيلولتها بعد وجبة "يوم الجمعة" الدسمة، التي اعتاد أن يتناول فيها المقتدرين من الناس أشهى المأكولات. في هذا الوقت بالذات اعتادت الشوارع أن تكون فارغة إلا من أولئك الذين قرروا حمل حاجياتهم في أكياس منتفخة تنمُ على الرجوع أو الذهاب إلى محطة تالية، في أغلب الأحيان تكون بيت أهل الزوجة أو الزوج، وفي أحيانٍ أخرى -كما هو حالنا- إلى أقصى الشرق عند الخالة أم نسيم، حيث الشمس والخضرة والعالم البسيط غير المعترف بالتكنولوجيا وأتباعها. الحاجّة أمونة أحمد القرا الملقبة بـ"أم نسيم أبو رجيلة"، استقبلتنا في آخر ممر طويل من أشجار الصبّار الشوكية حيث تقبع أرضها أقصى شرق محافظة خانيونس. تصل إليها عبر باب خشبي عتيق يفضي إلى فسحةٍ تحوي "المضافة"، والنافورة التي خُصصت لها أربع فخاريات كي يناولنّ الماء إلى بعضهن البعض، والأرجوحة التي تطل بالجالس عليها إلى ما بعد السلك الفاصل

إشارةٌ حمراء| سجى سامي حمدان

صورة
  إشارةٌ حمراء| القصة الفائزة بجائزة نجاتي صدقي خرجت الشمسُ غاضبة رغم أن الشتاء كان قصيرًا، ورياحُ الخماسين جاءت تتم على الأمور نهاياتها فتترك في النفس انطباعًا أنّ العام في نهايته كأنها تستعجل الصيف قافزةً عن حميمية الربيع، لا أحبّ هذا الجو.. يعود بي إلى نهايات الفصول الدراسية والتجهيز للاختبار ا ت، تَتِمَّاتُ المراحل.. أشعةٌ ملتهبة تخترق مسامات الجسد، وشرطيٌّ في منتصف الثلاثينيات من العمر يشيرُ إلى طفلةٍ أن تبتعد عن مجرى زحف السيارات، كنت راقدةً أمام المقود في انتظار تبدل الإشارةِ الحمراء وأنا أنقم على الشمس التي تقدح أشعتها في يديّ فتخلفُ فيهما خطوطًا سمراء أو بنية.. نظرت إلى الساعة التي باتت عقاربها تقترب لخط سير سلحفاةٍ قررت فجأة أن تعاود الالتفاف بالقوقعة بغيةِ إكمال قيلولتها..   إنه الشوق الذي يطهو القلوب على نيران الترقب، الانتظار الذي يقذف في النفس هاجسًا: كأن عقرب الساعة يودّ لو يرجع للوراء.. وينقص كلَّ دقيقةٍ ساعة؟ ظننتُني حينها أذكى من الوقت الذي يُساومني على عودة الحياة بمجيء عينيك.. فقررت قطعه قبل أن يقطع قلبي وينتهي به إربًا لا تطيقُ تجرع غيابك.. استقليتُ سي

شخصيّةٌ ثانويّة| سجى حمدان

صورة
  شخصية ثانوية| سجى حمدان أنا أستوعب فكرة أن يفقد المرء قدرته على الكتابة، فجميع الخلق يمرون بفترات انكماشٍ وانبساط، خيبةٍ وفرحة، والكتابةُ تحتاج إلى الشغف، أو الحنق، فيعيشُ المرء حزنه أو اندفاعه على الورق، لكن إن لم يتوافر كلاهما، وعلق المرء باعتيادية الوجود، ورقود الشعور، ما استطاع أن يُنتج شيئًا، فالكاتب محكومٌ بجلبة معايشاته، وتعايشاته. لكن ما لا أتفهمه حتى هذه اللحظة: أن يفقد المرء قدرته على قراءة ما قد كتبه يومًا، أن يهربَ من أفكاره القديمة، ويخاف أن يقع في مواجهةٍ معها عند أحد السطور، فتكسب هي المعركة، هُو خوف المرء من نفسه، لأنه أضحى لا يعرفها، ويخشى أن تذكره الحروف بها، وهذا أشرس مشاعر الغربة، وأعنفها. هناك حيث يصبح فرحه بالماضي يؤلمه، وبراءة تفكيره آنذاك تنغص عليه العيش الحالي، أما حزنه القديم فيدفعهُ للضحك لأسبابٍ يجهلها، ثم يتسائل: كيف تغيرت مجريات الأمور، فأصبحنا غرباء إلى هذه الدرجة التي تجعل الإنسان يظنّ أن الحزن فطرةٌ وطبيعة، يزور دياره الفرح يومًا ثم يغادر، وما أخفَّ الفرح ضيفًا، ثم يعود المرء لاعتياديته، وتعايشه مع الوضع الراهن، الغريب. هذا الكلام تولّد معي لحظي