عدوان 2023

 في عبثيةٍ غريبةٍ من نوعها، بدأ القصف على غزة وانتهى، دون أن يعلم أحدٌ لِم بدأ من الاساس، ولِمَ انتهى.

وبنفس العبثية رحل العشرات متوسدين دمائهم تحت الأنقاض، وبنفس العبثية بقي دم الأطفال فوق دفاتر تلوينهم، وسقطت دموع الكبار الواجمين، الذين تصرخ من حولهم أصوات من قبيل: "يجب أن تكونوا أقوياء"، "يجب للحياة أن تستمر"، "يجب أن نبني ما هُدم".

هم لا يعرفون سوى لغة ال "يجب"، و"ينبغي"، متناسين الأب الذي لا زال يحدق في صورة ابنه، ولسان حاله يردد ما سبقه درويش في قوله: "كيف تبدلت الأدوار يا بنيّ؟ وصرتَ أمامي؟ أنا أولًا أولًا!"، ولا يدكون الشيخ ذو العقود الثمانية الذي أمضى نصفها تمامًا يدّخرُ القرشَ فوق القرش، حتى تحتضنه وأحفاده أربعه جدران وسقف، فتدُكّ الطائرات ما ما تم بناؤه في عشرات السنين خلال "ثوان".

أعتقد أن من حقّنا جميعًا أو من الواجب -لست أدري أيهما الأنسب في هذا المقام- أن نظهر بعض الاحترام للحزن الذي يأكلُ شيئًا منا بعد كلّ حدث، أنا أنتمي للشهداء، وابنائهم، وزوجاتهم، وأمهاتهم، وأنتمي للأسرى، وأحبائهم، وأنتمي للأطفال الذين خلقوا ولم يدركوا بعد المعنى الحقيقي للحياة، والمعنى الحقيقي للموت، وأحزن بالمجمل، ويكأن الحزن في هذه البلاد من مقومات الحياة!

"أن تتجاوز" هذه ليست بطولة لك كمشاهد، أو حتى كمُعايش، أدرك أنك تجاوزت ما رأيته من مآسٍ عبر شاشتك الصغيرة، وما سمعته على حين انفجارٍ لأحد البيوت فوق رأس قاطنيها، لكنّ التجاوز حقيقةً للفاقدين، إنها بطولتهم وحدهم، إن أرادوا اختيارها، وإن لم يريدوا فهذا من حقهم، فأنا -على سبيل المثال- لا أنسى من أحببتُ يومًا، ولا يعوضني عنه ألف وليد، وألف صديق، ببساطة لأنه ليس رقمًا، لكلّ شهيدٍ حكاية، وكأقل اعتراف بالجميل، وكأقل واجب: أن نحفظ تلك الحكايات، لأنه -وكما سبقني إبراهيم نصرالله-:

" هل تعرف ما مصير القصص التي لا نكتبها؟ تصبح لأعدائنا!"

لا تتركوا الاحتلال يسرق آخر ما نملك: تفاصيلنا.

14 مايو 2023

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن الطقس.. إلى حدٍّ ما! | سجى حمدان

في حبِّ رمضان.. سجى حمدان

إشارةٌ حمراء| سجى سامي حمدان