"ريم رمضان".. طبيبةٌ تُسقطُ الفن على المهنة والحياة




سجى حمدان|شبكة فلسطينيات:

للوهلة الأولى، يشعر الضيف في منزل طبيبة الأسنان الشابة ريم رمضان بأنه يجلس داخل أحد بيوت دمشق القديمة. تلك الزاوية الحيّة بين جدران الأسمنت كفيلة بإيصال ذلك الشعور بما تحمله من دفء وتميزٍ وألق.

على طول الحائط تتعانق أوراق الشجيرات المتلاصقة التي تزهو كل واحدةٍ منها بعمرٍ ولونٍ مختلف. يمتد بصرك قليلًا نحو الزاوية ذاتها فتفاجأ بلوحاتٍ تمازجت بين رصاصٍ وألوانٍ زيتية، تناثرت على الحائط بدون ترتيبٍ معين، كأنما تعطي المساحة لعشاق الفن كي يبدأوا التمعّن من حيث شاء الشغف.. وكلها كانت بتوقيع ريم!

طبيبةُ الأسنان التي تركض بين المرضى صباحًا فتخفف الوجع، وتمسح رأس المعاناة في قلوبهم، هي ذاتها صاحبة اليد الذهبية هنا. الرسامة التي كبُرت على حب الفن والألوان، ولم تسمح لأي اختيار عملي بأن ينال من ذلك العشق..ترى في الورق ملجأها من أنياب الحياة، وفي الرسم تفريغ لكل ما يواجهها فيها من مصاعب.. "هنا الراحة، وهنا الحلم" تقول.

تضيف: "للطبيب روحٌ يجب أن يعتني بها أولًا، كي يستطيع مواصلة العطاء"، ثم تكمل وقد شبكت أصابع يديها أمام صدرها في محاولةٍ لوصف شعورٍ لا يمكن أن تحصره كلمات: "لشغفك عليك حق، هذه حقيقة، فالألوان التي تلطخ يدي خلال رسم اللوحة، هي في الحقيقة صابون لقلبي، تنظف عنه ضغط العمل".

في هذه الزاوية تكسر ريم روتين الحياة الممل، الذي أمسى أثقل من ذي قبل على حد وصفها، فالطبيب يكررُ الإجراءات مرارًا، ويقابل المرضى ذاتهم، ويستمع إلى الشكاوى نفسها كل يوم! هنا تجد نفسها التي تضيع في زحمة العمل حتى كادت لا تجدها إلا في رائحة المعقمات، والبنج، وأصوات حفارات الأسنان وحشوات العصب.

من يتأمل لوحات ريم، يفهم التدرج الذي اعتمدته في تطوير نفسها وقدراتها ولوحاتها وطبيعة ما ترسمه، ما بين رصاص، مرورًا بالفحم، ووصولًا إلى ألوان الزيت التي تجعل اللوحة تنطق بالحياة.

تعقب: "لاحظتُ أن للفن إسقاط واضح على مهنتي، فأخذت أتعامل مع الأسنان كلوحةٍ فنية كاملة: مساقط الضوء، الظلال، التمويه أيضًا، وغير ذلك".

أما بخصوص "المشتل" خاصتها، ذلك الذي أقامته في العيادة، أو حبيبها الآخر الذي في البيت، فتقول إنها وسط اللون الأخضر تتعلم الكثير: "الصبر" على رأس كل شيء.

تشرح: "أنتظر البذور إلى أن تنمو، ثم تورق، وتصبح وردًا وشجرًا، ولقد زرعت في نفسي حس "المسؤولية"، فللسِّقاية مواعيد، وللسماد مواعيد (..) وجدتني وسط الزرع أعتني بتفاصيل الأشياء، وهذا انعكس على عملي في الحياة، وعلى فني أيضًا".

ولأن الفنان حالم، والمزارع فنان، فإن الطبيب إذا دمج بين الاثنين خرج بقلبٍ عريق الأثر، ريم ما زالت تحلم بأن يغير الناس فكرتهم عن عيادات الأسنان، "إذ ليست بالضرورة أن تغرق في تفاصيل العصرية، والعملية، يمكن أن يُنشأ أحدهم عيادته في بيتٍ قديم، تحيط به حديقة مورقة على سبيل المثال".

لا تخفينا ريم، بأنها تفكر في ذلك فعلًا، وتزيد على ذلك: "سأجعل من غرفة الانتظار معرض لوحات"، مضيفةً: "إنّ عيادات الأسنان اليوم باردة ومخيفة".

وتساءلت: "لماذا لا نُطمئن المرضى؟ هل يمكن أن يشعر أحدهم بالخوف وهو يدخل مشتلًا؟ أو يزور متحفًا أو مرسمًا؟"، مجيبةً على سؤالها بنفسها وقد ابتسمت: "لا أظن".







تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في حبِّ رمضان.. سجى حمدان

عن الطقس.. إلى حدٍّ ما! | سجى حمدان

إشارةٌ حمراء| سجى سامي حمدان